علم و التكنولوجيا يمثلان محور عجلة التقدم في عالمنا اليوم، والجديد في التكنولوجيا هو اللفظ ذاتة فكلمة تكنولوجيا تمثل لفظا ثابتا ومعنى متحركا عبر مراحل التطور الحضاري، وبغض النظر عن التعريف الصحيح للتكنولوجيا لا احد يختلف حول التغيرات الكبيرة التي خلقتها التطورات التكنولوجيا السريعة والمتواصلة خلال هذا القرن.
يعيش العالم في حلم سريالي ناتج عن التطور التكنولوجي الذي اكتسح العالم بأسره، حيث لا يمر يوم لا نسمع فيه عن اختراع آلة تكنولوجية متطورة أو أكثر تطورا وذكاء من سابقاتها، لأنها، ببساطة، تقدم خدمات للإنسان (قد) تغنيه عن بذل أي مجهود يذكر. وفي ظل العيش تحت تأثير مخدر هذه التكنولوجيا لا يجد الإنسان فرصة سانحة ليعود إلى نفسه كي يصارحها ويفكر مليا وبعمق في سلبياتها ومدى خطورة عواقبها عليه أولا وعلى مستقبله ثانيا. ويبقى السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بحدة يتمحور دالئما حول من يحكم الآخر، أهي الآلة أم الإنسان؟
ربما يتراءى إلى ذهن البعض أن الجواب سهل جدا. ولكن واقع الحال يبوح بغير ذلك. فالإنسان لم يعهد بوتيرة حياة سريعة سببها الرئيس هو استحواذ الآلة على حيز مهم من أنشطة حياتية كان الإنسان أول وآخر من يتكفل بها وينجزها. وبالتالي، فمن الصعب على الإنسان العادي أن يستشعر أو يحكم بدقة على آثار أحد أكبر ابتكاراته. وحتى نكون موضوعيين في كلامنا لا بد من سرد أهم النقاط الإيجابية التي تقدمها الآلة للإنسان. فبفضلها يمكنه الآن أن يسافر من مكان إلى آخر لم يكن بالإمكان بلوغه إلا بمشقة النفس وربما في رحلة قد تمتد إلى سنوات محفوفة بأشد الأهوال والمخاطر. وهي التي تيسر له انجاز مشاريع كبرى يصعب على فيزيولجية الكائن البشري القيام بها لوحده وإنجازها على أتم وجه. وأصبح بإمكان الإبحار إلى أبعد نقطة في العالم بحثا عن آخر الأخبار والوقائع ومن تصفح كتب علمية لا يمكن الحصول عليها حتى من أكبر المكتبات المحلية. والفضل يعود إلى الآلة في اكتشاف مجرات وكواكب ونيازك تبعد عن الأرض بملايين السنوات الضوئية. وما أوردناه سلفا جاء في صورة عامة. أما فيما يخص التكنولوجية الدقيقة والذكية، من روبوهات مبرمجة حسب حاجيات الإنسان، وهواتف وحواسب محمولة تسهل التواصل بالأساس، كما تسهل القيام بأمور أخرى من بيع وشراء وإشهار وهلم جرا.
وككل نعمة ربانية، فإن للتكنولوجيا سلبيات كثيرة لا يمكنا أن نرسم حدودها بين عشية وضحاها. فمن أجل استعمالها لابد من توفر طاقة، وكلما استهلكنا طاقة أكثر كلما ارتفعت درجات الحرارة أكثر مما يتسبب في الرفع من مستوى وخطورة الاحتباس الحراري، وما قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وتزايد الأعاصير إلى جزء من قليل ما ينتظر كوكبنا الأرض بسبب تزايد استعمال الآلات. كما أنه للحصول على هذه التكنولوجيا لابد من استنزاف الثروات وميزانيات الأنظمة، وحتى جيوب الشعوب المستنزفة أصلا.
ولا يخفى على أحد أن التكنولوجيا لا تسيرها مشاعر وأحاسيس معينة، بل برامج من صنع الإنسان، تقاس أهميتها في الأساس بالذكاء. وبذلك، فإن الأحاسيس التي يبادلها الإنسان تعتبر مشاعر أحادية الجانب، مما يرجح فرضية تأثيرها على نفسية الإنسان إن أسرف في استعمالها، الأمر الذي يؤكده علماء النفس في أكبر الجامعات العالمية. فقد تفقد هذه التقنية الإنسان ثقته في نفسه نظرا لكثرة اعتماده عليها وتراجع مجهوده البدني والعقلي.
وفي أيامنا هذه، يقضي أطفالنا معظم وقتهم أو وقت فراغهم رفقة هذه الآلات التكنولوجية، خصوصا الحواسيب والهواتف النقالة وألعاب الفيديو (بلاي ستايشن 2 على سبيل المثال). وهي مرتع خصب للتحرر بجميع أنواعه وفي كل المستويات. فألعاب الفيديو تعلمهم العنف والعزلة والعيش في عالم افتراضي ينتهي مع انقطاع التيار الكهربائي عن اللعبة. كما أن مراقبة الآباء لما يقوم به أطفالهم والمواقع التي يتصفحونها يعد أمرا شبه منعدم، وبالتالي فإمكانية تعرضهم للانحراف تتزايد وتشتد خطورتها يوما بعد آخر.
ولا يسعنا هنا إلا أن نوقض تفكير الإنسان من السبات العميق ليتحسس محيطه الذي يعيش فيه والذي تسيطر عليه يوما بعد يوم آلة اسمها التكنولوجيا. ونخص بالاهتمام هنا المتلقي العربي الذي يغط في سبات أعمق ولا ينتج من هذه التكنولوجيا نصيبا يذكر، بل لا يعدو عن كونه سوى مستهلكها الأعمى..فإلى أين يؤدي بنا هذا الطريق الذي يشوبه الغموض وتحفه المخاطر من كل الجهات..والذي يهدد ببوار إنسانية الإنسان…
تحــياتـي لـــكـم